U3F1ZWV6ZTM3Mzk3MTU5NjAyNjE5X0ZyZWUyMzU5MzM2MjA0MTkyOQ==

لماذا انقلب الحال على شركة نوكيا ، وفقدت سيطرتها على السوق ؟

قبل حوالي عشرة سنوات من الآن، كانت نوكيا هي اللاعب الأساسي عل ساحة الهواتف الذكية، ومع مبيعات تقارب نصف السوق العالمي بأكمله فقد كان المستقبل يبدو وكأنه سيستمر تحت هيمنة هذه الشركة للأبد، لكن بالعودة للوقت الحاضر فقد زال أثر الشركة تماماً وانهارت بشكل كامل حيث باتت علامتها التجارية مملوكة من قبل شركة HMD، وعلى الرغم من محاولتها استغلال الحنين للماضي فمبيعاتها لا تزال صغيرة للغاية ولا تقارن بمبيعات شركات صينية عمرها بضعة سنوات فقط.
بالطبع لا يمكن أن يأتي انهيار شركة بحجم نوكيا من الفراغ، فالانهيار لم يكن انسحاباً تدريجياً من مجال ما للتركيز على مجال آخر والحفاظ على جزء من قوة الشركة (كما حصل مع IBM في القرن الماضي) بل أنه انهيار كامل ترك ما كان يعرف باسم نوكيا يوماً ما على شكل أجزاء متناثرة بعضها مملوك من قبل Microsoft والباقي من قبل HMD، وحتى تصل شركة كبيرة للغاية إلى هذا المصير المؤسف لا شك بأن العدد من العوامل كانت موجودة، وهنا سنحاول مناقشة بعض من أهمها.

التأخير الكبير في تقديم أي تقنيات أو موديلات جديدة

هاتف نوكبا N8
عندما تم طرحه في الأسواق، كان هاتف N8 يمتلك كاميرا مميزة جداً والأفضل حينها دون منازع، لكن كل النواحي الأخرى كانت خلف المنافسين حيث العتاد الداخلي للهاتف كان عمره أكثر من عام وأضعف من هواتف Apple وSamsung المنافسة بفارق كبير.
بالنسبة للمظهر الخارجي للشركة في فترة ذروتها، كان تصريح كهذا ليبدو وكأنه صادر من شخص إما مجنون او جاهل تماماً بالتقنية، حيث أن الشركة قدمت بعضاً من أفضل الهواتف والميزات الجديدة خلال فترة نشاطها، وحتى عندما برز منافس جديد مثل هاتف iPhone الأصلي فقد كان متأخراً لسنوات مقارنة بهاتف نوكيا من نواحي عديدة تتضمن تقنية الاتصالات (الجيل الثالث) والكاميرات وغيرها، لكن بالنظر إلى الشركة من الداخل فالتفوق الكبير لم يكن في الواقع بسبب قيادتها الناجحة، بل على الرغم من قيادتها الغير كفؤة.
بعد انهيار الشركة التدريجي مع الوقت، خر الكثير من المسؤولين السابقين والموظفين بمراتب عليا ضمن نوكيا ليدلوا بقصصهم، والموحد بينها دائماً هو كون الشركة كانت منقسمة على نفسها وتعاني من تحزبات عديدة ضمنها مع كون كل طرف يهتم لمصلحته الشخصية بدلاً من الشركة ككل، وبالنتيجة فقد كانت القرارات تأخذ وقتاً طويلاً للغاية لتمر بعد إقناع عدد كافٍ من المسؤولين، وبالنتيجة فأمور بسيطة مثل اختيار شريحة مناسبة للهاتف القادم كانت تحتاج لوقت يمتد لقرابة السنة ريثما تقرر الشركة، وبحلول ذلك الوقت تكون الشريحة التي اختاروها قد أصبحت من الجيل السابق.
في الواقع كان هذا الأمر أساسياً في جعل الشركة غير قادرة على الرد على التهديدات الجديدة، ومع ظهور كل من هواتف iPhone عام 2007 والهواتف العاملة بنظام Android عام 2008 كانت الشركة غير واعية أبداً لحجم التهديد على حصتها السوقية، حيث أنها فشلت في إصدار منتج منافس حقاً حتى عام 2010 مع هاتف Nokia N8، والذي على الرغم من كونه جيداً للغاية حينها، فقد كان متأخراً لسنوات كرد من الشركة، وبحلول ذلك الوقت كان العديد من المستخدمين قد انتقلوا للشركات المنافسة.

المعضلة الكبرى مع شاشات اللمس

هاتف نوكيا 5800
الرد الأولي لـ Nokia كان هاتف 5800 والذي على الرغم من كونه جيداً جداً بمعزل عن باقي العوامل، فقد كان غير جدير بالمنافسة من حيث قابلية الاستخدام.
خلال الفترة التي حققت نوكيا فيها النجاح منذ مطلع التسعينيات وحتى نهاية العقد الأول من الألفية، قامت الشركة بالعديد من التغييرات في الواقع، حيث أنها كانت من أوائل الشركات التي تستخدم شاشات أوضح للهواتف (بدلاُ من الشاشات المكونة من سطر واحد فقط) ولاحقاً كانت رائدة في تقديم الشاشات الملونة والكاميرات وقابلية التعامل مع الهاتف كمركز للوسائط المتعددة مع دعم الموسيقى والفيديو وغيرها، لكن عندما وصل الأمر لاستخدام شاشات اللمس فقد كان الأمر مختلفاً للغاية.
مفهوم شاشات اللمس لم يكن شيئاً غريباً حقاً في الواقع، حيث بدأ بالظهور على الهواتف منذ التسعينيات ولو بشكل محدود جداً، لكن على الرغم من أن نوكيا نفسها كانت تخطط لهواتف تعتمد على اللمس (مثل 7700 الذي أعلن عنه عام 2003 ولم يصدر، وخلفه 7710 الذي صدر عام 2004) فالانتقال الكامل نحو شاشات اللمس لم يكن أمراً محبذاً خصوصاً مع كون تجارب الشركة تضمنت شاشات لمس تتطلب الضغط (Resistive بدلاً من Capacitive).
مع المنافسين التقليديين لم يكن الأمر مشكلة حقاً لـ Nokia، فهاتف LG Prada مثلاً كان يعتمد اللمس، لكن بشكله المعتمد على الضغط كذلك، وعندما بدأت هواتف iPhone ومن ثم Android بالظهور حاولت نوكيا اللحاق بها بهواتف تعتمد اللمس مثل هاتف Nokia 5800، لكن المشكلة الأساسية كانت أن اللمس المعتمد على الضغط ليس عملياً حقاً للهواتف، وهذا ما أثر بشكل كبير على نوكيا التي لم تصدر هاتفاً يستخدم شاشة لمس بالمفهوم الحالي حتى إطلاق N8 عام 2010.

الخطف خلفاً إلى “الهواتف الغبية”

هاتف نوكيا 6300
موجة “الهواتف الغبية” بدأت مع هاتف نوكيا 6300، واستمرت حتى سنوات لاحقة خصوصاً مع تقديم هواتف Asha.
مع عدم وجود تعريف محدد حقاً للهاتف الذكي، فمن المجمع عليه أن هواتف Nokia من الفئات العليا خلال مطلع الألفية كانت هواتف ذكية، فقد كانت تدعم تثبيت التطبيقات الخارجية والقيام بعدد كبير من المهام وحتى التنقل بين التطبيقات دون إغلاقها (بالضغط المطول على زر القائمة)، لكن مع حلول عام 2006 كان هناك تيار قوي ضمن الشركة يريد التركيز على إطلاق هواتف رخيصة تقوم بالمهام الأساسية وتكون مناسبة أكثر للمستخدم العادي.
أبرز هذه الهواتف التي تقدم الأساسيات فقط هو هاتف Nokia 6300 الشهير والظاهر في الصورة أعلاه، حيث أن النجاح التجاري الكبير لهذا الهاتف قاد الشركة لإطلاق العديد من الهواتف “الغبية” والرخيصة وسط إقبال جاري كبير عليها، لكن هذا التركيز أثبت أثره السلبي الكبير لاحقاً كونه قام بتقسيم موارد الشركة بين أجزاء عديدة، ومنع التركيز على الهواتف الذكية (التي كانت تعمل بنظام Symbian OS) بحيث تكون جاهزة للمنافسة القادمة لاحقاً.
بالطبع أثبت رهان نوكيا كونه خاسراً عندما قدمت Apple هاتف iPhone الأصلي، والذي أكد أن الهواتف الذكية هي الطريق للأمام، ومع النجاح الكبير لهواتف Android لاحقاً كان من الواضح أن المستخدمين كانوا يفضلون الأداء والميزات الأكثر على السعر الأرخص والبساطة الخاصة بهواتف Series 40 في البداية وسلسلة Asha التي صدرت عام 2013 كذلك.

متجر Ovi وغياب الدعم عنه

متجر Ovi من نوكيا
متجر Ovi كان رد فعل سريع نسبياً، لكنه لم يكن مدعوماً بشكل جيد وبالأخص أنه كان من المفترض أن يدعم عدة أنظمة في وقت واحد.
بعد إطلاق كل من متجري App Store الخاص بأنظمة iOS وGoogle Play الخاص بأنظمة Android، قررت نوكيا إطلاق متجر التطبيقات الخاص بها عام 2009 تحت اسم Ovi Store (لاحقاً تحول اسمه إلى Nokia Store) لكن على عكس المتجرين المنافسين له، فقد كان متجر نوكيا غير منظم أبداً وأشبه بفوضى كبيرة للغاية، حيث أنه كان يدعم نظامين مختلفين عند إطلاقه، وتوسعت القائمة حتى 5 أنظمة مختلفة في فترة من الفترات.
على الرغم من أن المتجر كان يتضمن التطبيقات للعديد من الأنظمة المختلفة، فقد كان قزماً تماماً بالمقارنة مع نظيريه الناجحين App Store وGoogle Play، ونتيجة غياب الدعم الحقيقي من المطورين فقد كانت التطبيقات الموجودة ذات جودة سيئة عموماً ومن الصعب العثور على تطبيق يقوم بالمهمة المطلوبة، وفي عصر التطبيقات الحالي فأي نظام لا يمتلك متجراً كبيراً ومتنوعاً كفاية لا يمكن أن ينافس في الواقع.

التشتت الكبير وعدم الاعتماد على نظام محدد

هاتف نوكيا N900 مع نظام مايمو Maemo
بالنسبة لوقته، كان نظام “مايمو” (Maemo) متقدماً للغاية وأفضل بمراحل من أي شيء آخر لدى نوكيا، لكنها قتلته بعد هاتف واحد فقط: N900
في عام 2007 كانت نوكيا تمتلك نظامين أساسيين لهواتفها: Symbian للهواتف الذكية ومن الفئات العليا، وSeries 40 للهواتف الرخيصة و”الغبية”، وحتى ذلك الوقت تمكنت الشركة من الموازنة ولو نسبياً بين النظامين وتطويرهما كون المنافسة حينها كانت ضعيفة للغاية، لكن مع ظهور نظام iOS وبعده Android عام 2008، وجدت الشركة نفسها بحاجة لواجهة جديدة تستخدمها على هواتفها القادمة وتبقي مبيعات الشركة على مسار تصاعدي.
في تلك الفترة ظهرت التحزبات والمشاكل في نوكيا بالشكل الأكبر في الواقع، حيث انقسمت الشركة بين فريق يريد الاستمرار بتطوير نظام Symbian لجعله أفضل ومناسباً أكثر للهواتف التي تعتمد اللمس، وفريق آخر يريد اعتماد نظام تجريبي حينها باسم MeeGo كان قد تم بناؤه بالكامل للتعامل مع شاشات اللمس مع كونه يعتمد على نواة Linux بشكل مشابه لكون نظام Android يعتمد عليها كذلك. لاحقاً تم تطوير الفكرتين معاً، لكن نظام MeeGo لم يمتلك فرصة مع تقديم هاتف وحيد يستخدمه Nokia N9، قبل أن يوقف تطويره من الشركة على الرغم من نجاحه.
هاتف نوكيا N9 مع نظام مييجو MeeGo
تماماً كما سلفه Maemo، كان نظام MeeGo متقدماً للغاية ومع واجهة يمكن اعتبارها ممتازة حتى بمعايير اليوم، لكنه سرعان ما تعرض للقتل بعد هاتف وحيد فقط هو نوكيا N9
في الواقع فصراع الأنظمة لم يتوقف عند ذلك الحد، حيث أن نظام Symbian لم يكن يؤدي بشكل جيد حقاً، مما قاد الشركة لعقد اتفاقية مع Microsoft بحيث تعتمد نظام Windows Phone بشكل حصري لهواتفها، وحتى أن الشركة حاولت وبشكل متأخر تقديم هاتف يعمل بنظام Android (وهو Nokia X) لكنه كان مقيداً للغاية مع واجهة سيئة ومتجر محدود، كما أن شراء Microsoft للشركة قتل الأمر بأكمله.

مدير الشركة السابق Stephen Elop

مدير نوكيا السابق ستيفن إيلوب
بغض النظر عن نظريات المؤامرة المحيطة به، فـ Elop كان مديراً سيئاً للغاية وربما أسوأ مدير مر في تاريخ الشركة الطويل للغاية، وسواء كان ذلك بقصد أم لا فالنتيجة واحدة.
من بين مختلف التصرفات الخاطئة التي اتخذتها نوكيا، يمكن القول أن هذا الشخص هو المسؤول الأساسي عن الشطر الأكبر منها، حيث أنه تولى إدارة الشركة عام 2010 قادماً من Microsoft، وسرعان ما بدأ بمجموعة قرارات مثيرة للجدل مثل إنهاء تطوير نظام MeeGo والانتقال لاستخدام نظام Windows Phone، كما أنه المخطط الأساسي لبيع الشركة لـ Microsoft حيث حصل شخصياً على قرابة 20 مليون دولار كمكافئة عند إتمام الصفقة.
خلال فترة إدارة Elop للشركة ازدادت المشاكل الموجودة أصلاً بشكل كبير للغاية، وسرعان ما بدأت حملة من التسريحات الجماعية للعاملين والموظفين مع إغلاق المنشآت العديدة للشركة، وسرعان ما خسرت الشركة أكثر من نصف قيمتها السوقية وتراجعت حصتها في مجال الهواتف الذكية من 33.3% عند توليه للإدارة إلى أقل من 3% فقط بالوصول إلى عام 2013، حيث بات هناك تأثير يعرف باسم “Elop Effect” ليصف القرارات الكارثية له.
بالنسبة للكثير من الأشخاص فوصول Elop إلى إدارة الشركة لم يكن أمراً طبيعياً، بل أنه مخطط من Microsoft لاختراق الشركة من الداخل وإضعافها لتسهيل الاستحواذ عليها لاحقاً، ومع أن هذ الأمر يبقى دون أي دليل حقيقي من أي نوع، فالبعض لا زال متمسكاً بهذا الاعتقاد. على أي حال غادر Elop شركة Microsoft عام 2016 متجهاً إلى شركة Telstra الأسترالية، وخلال العامين الماضيين خسرت الشركة أكثر من نصف قيمتها السوقية، ولو أن دور Elop في الأمر غير معروف حقاً.

هل تمتلك الشركة فرصة للعودة حقاً؟

مع نهاية عام 2016 تأسست شركة جديدة باسم HMD Global في فنلندا من قبل مسؤولين وموظفين كبار سابقين من Nokia، وبعد تخلي Microsoft عن تطوير الهواتف بشكل نهائي، تمكنت HMD من الحصول على حقوق استخدام علامة نوكيا التجارية مجدداً وقامت بمحاولة إحيائها عن طريق إعادة إطلاق إصدار محدث من هاتف Nokia 3310 الشهير، ومن ثم إطلاق مجموعة من الهواتف العاملة بنظام Android مع مواصفات تتراوح بين الضعيفة والمتوسطة غالباً.
حتى الآن تبدو جهود الشركة مثمرة نسبياً مع كون الهواتف التي أصدرتها تتمتع بتقييمات وردود فعل إيجابية عموماً بسبب متانتها وكونها تقدم مستوى جيداً من الأداء مقابل السعر، كما أن التحديثات سريعة الوصول نسبياً نظراً لكون الهواتف تستخدم إصداراً شبه خام من النظام، أي أن التعديلات على النظام بحدها الأدنى على عكس شركات أخرى مثل Samsung وHuawei.
بالنسبة للبعض قد يبدو استخدام الشركة لواجهة نظام خام أمراً إيجابياً للغاية كونه يجعل الواجهة أبسط والأداء أفضل ولو بشكل قليل نظراً لغياب الميزات الإضافية، لكن هذا الأمر ربما هو العامل الأساسي ضد حظوظ الشركة حالياً، فمع كون الأداء والعتاد بات جيداً كفاية بحيث يصعب على الشركات أن تميز نفسها به، فالواجهة والنظام هي الأساس في جذب الزبائن والحفاظ عليهم، ومهما كانت الواجهة الخام مفضلة لدى البعض، فهي غير كافية لخلق تميز كافٍ للشركة لتنجح على مجال واسع.
على أي حال لا يمكننا الحكم على نجاح الشركة من عدمه حالياً، فبغض النظر عن التوقعات النتيجة قد تكون مختلفة تماماً، حيث أن انهيار الشركة مثلاً والصعود الكبير لـ Samsung لم يكونا أمرين متوقعين لكنهما حصلا، بينما خالف نظام Windows Phone التوقعات الأولية بنجاحه وفشل فشلاً ذريعاً.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة